في قصصهم عِبرة ١٠٦
يبدو أنكَ لا تقرأ!
بمناسبةِ يوم العمال، زارَ الزعيمُ السوفياتي "خروتشوف" مصنعاً كبيراً، ولفتَ نظره عاملٌ نشيط، فسألَ عن سيرته، فوجدَها حسنة، فأمرَ أن يُعطى بيتاً وعربة.
ومرَّتْ الأيام، وفي يومِ العمالِ التالي، قامَ "خروتشوف" بجولته مرةً أخرى، وزارَ ذات المصنع، ورأى العامل، وقالَ له: ألسْتَ العامل الذي أعطيناه بيتاً وعربة؟
فقالَ له: ولكني لم آخذْ شيئاً!
فقالِ "خروتشوف" لمديرِ المصنع: لماذا لم تُنفذوا كلامي؟
فما كانَ من مديرِ المصنعِ إلا أن أحضرَ له جريدة "البرافدا"، الجريدة الرسمية للحزبِ الشيوعي، وقال: أعطيناه العربة والبيت، وهذه صورته يقفُ أمام البيت والعربة!
فقالَ "خروتشوف" للعامل: لقد أعطوكَ يا بُني، لكن يبدو أنكَ لا تقرأ "البرافدا"!
إنَّ الذي يأخذُ الحقائقَ من الإعلامِ الرسمي، في دولِ الاستبدادِ خصوصاً، يكونُ نصيبه في الغالبِ من الحقيقةِ كنصيبِ عاملِ المصنعِ في القصةِ أعلاه!
عندما هربَ نابليون من سجنه في جزيرةِ ألبا، وعادَ بخطىً واثقة ليستعيد مُلكه من لويس الثامن عشر، كتبتْ الصحيفةُ الرسميةُ للدولةِ الفرنسيةِ وقتذاك "المونيتر أونيفرسال" تقول:
إنَّ الفرنسيين يتشوقون لهفةً للدفاعِ عن الملكِ لويس، ضد نابليون مُغتصب الوطن بقوةِ السلاح، والمأجور، والخارج عن القانون، وزعيم قطاع الطرق!
ولكن نابليون تابعَ زحفه، ووصلَ إلى العاصمة، فهربَ الملكُ، وأحكمَ نابليون يده على مقاليدِ الحُكمِ مجدداً!
في صبيحةِ اليومِ التالي كتبتْ الصحيفةُ ذاتها تقول:
أحدثَ خبر دخول نابليون السعيد إلى العاصمةِ ابتهاجاً، والجميعُ يتبادلون العناق، وهتافاتُ يحيا الإمبراطور تملأُ الأجواء!
طبعاً لستُ أنادي بصحافةٍ قائمةٍ على الردح، لا تعرف إلا الهجاء، فهذا لا يقل سوءاً وقُبحاً عن التطبيل، كلُّ الذي أُنادي به صحافة تكتبُ الحقيقةَ فقط كما هي، وكانَ اللهُ في عونِ الحقيقة، الجميعُ يدَّعون أنهم يكتبون عنها، وهي تشعرُ باليُتم، ومن قبل قالَ شاعرنا:
وكلٌّ يدَّعي وصلاً بليلى
وليلى لا تُقر لهم بذاكا!
أدهم شرقاوي